مع اقتراب عيد الأضحى.. كيف يعيش المُهجَّرون في شمال سورية مناسباتهم السنوية؟

مع اقتراب عيد الأضحى.. كيف يعيش المُهجَّرون في شمال سورية مناسباتهم السنوية؟
أخبار اليوم ـ لجوء وغربة
متابعة وتحرير
أكثر من 20 عيداً مرت على السوريين منذ بَدْء الثورة في آذار/ مارس 2011، اختلفت ظروفها باختلاف الأحداث التي شهدتها سورية طيلة السنوات العشر الماضية، وتبدلت أحوالهم فيها وفقاً للمتغيِّرات العسكرية بالدرجة الأولى والاقتصادية في الدرجة الثانية.
خلال السنوات الماضية، اندثرت بعض عادات وتقاليد المجتمع السوري وطقوس الأعياد الخاصة به، خاصة في المناطق التي تعرّضت للحصار والعمليات العسكرية، وانتهى الحال بأهلها إلى التهجير أو النزوح إلى المدن والمخيمات.
نزوح وتهجير
يُعتبر النازحون والمهجَّرون من أكثر الفئات تضرراً من هذه المتغيرات، بسبب حالة التشتت التي أصابت مدناً وبلداتٍ بأكملها، واضطرار الأهالي للسكن في مخيمات أو تجمُّعات جديدة تضم سكاناً من مختلف المحافظات السورية، أو التنقل بين الحين والآخر بحثاً عن مسكن أقلَّ أجراً، بغض النظر عن مدى إمكانية التعايش مع البيئة الجديدة أو تكوين علاقات اجتماعية فيها.
وتباينت أحوال وآراء هؤلاء النازحين والمهجَّرين في الأعياد، بين مَن يراها بأنها باتت أياماً عادية غير قادرة على إدخال البهجة والسرور إلى نفوسهم التي آلمتها مرارة الفقد والنزوح وسقوط الضحايا بشكل شِبه يومي.
الحياة مستمرة
بالمقابل، يرى آخرون أن الحياة ستستمر، وأن التعايش مع الواقع الجديد بات أمراً ضروريّاً، وإن كان أقسى ويختلف كليّاً عن حياتهم التي سبقت النزوح والتهجير.
“باسل الشيخ” مهجَّر من حمص إلى إدلب، قال في حديثه لموقع “نداء بوست”: إنه خرج من مدينته قبل 3 أعوام، بمحض إرادته، وهذا العيد هو السادس له بعيداً عن الأهل والأصدقاء، وبالرغم من الصعوبات التي واجهها وعائلته هنا إلا أنه استطاع التكيف مع واقعه الجديد.
يقول “الشيخ”: إن “مناسبة العيد تحمل ذكرى مؤلمة بعض الشيء له، فبالإضافة إلى البُعد عن الأهل المقيمين في حمص، هي تتزامن مع ذكرى التهجير، حيث وصل إلى إدلب في أول أيام شهر رمضان، ومرّ عيده الأول في الشمال وهو يبحث عن منزل يأوي به عائلته، وتأمين باقي مستلزَمات الحياة”.
ويرى أن العيد الأول كان هو الأصعبَ للأسباب التي ذكرها آنِفاً، ولكن بعد مضيّ فترة على إقامته في إدلب، استطاع تكوين شبكة علاقات جديدة تعوِّض شيئاً من تلك التي فقدها بسبب التهجير، كما أن الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده منطقة شمال غربي سورية ساهم في تجاوُز هذه المشكلة، وجعل من الأعياد التالية مناسَبة للفرح والاحتفال.
وقارن “الشيخ” بين الأعياد التي عاشها خلال الحصار الذي تعرضت له مدينته قبل التهجير، وبين تلك التي قضاها في بلاد النزوح، معتبراً أن الأخيرة كانت أفضل، كون المنطقة مفتوحة وتضم عدداً من المراكز الترفيهية ومدن الألعاب، ما ساهم في تحسين نفسية أطفاله، إضافة إلى أنه استطاع مجدَّداً إعادة بعض تقاليد العيد كصناعة الحلوى والكعك في المنزل، وهو ما لم يقدر عليه خلال فترة الحصار، مشيراً إلى أن ما ينقص أعياده اليوم هو صلة الأرحام والاجتماعات العائلية التي كانت تحدث.
بهجة مفقودة
على النقيض من ذلك، يصف “محمد حسن”، وهو نازح من ريف حماة الشمالي إلى منطقة “عفرين”، أيام الأعياد بأنها باتت كغيرها من أيام العام، ولم تَعُدْ تحمل الميزات الخاصة التي كانت لها في السابق، بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى الظروف العسكرية والأمنية.
وأوضح “حسن” في حديث لموقع “نداء بوست” أن أقاربه وأصدقاءه باتوا موزَّعين بعد خروجهم من منطقة “سهل الغاب” على أكثر من 16 بلدة وقرية في ريفَيْ إدلب وحلب، بعضهم يقيم في منازل استأجروها، ومنهم مَن يسكن المخيمات الحدودية.
وأشار إلى أن الغالبية تعرضت لنكبة أثناء الحملة العسكرية التي شهدتها المنطقة عام 2019، أو بعد النزوح، الأمر الذي جعل من الأعياد مناسبة لاستذكار الأشخاص الذين فُقدوا أو الذين أجبرتهم الظروف على البُعد أو مغادرة سورية.
وأكد “حسن” أن من بين العوامل المؤثرة التي أفقدت الأعياد بهجتها هي الأوضاع المادية السيئة، كون نسبة كبيرة من القاطنين في المخيمات فقدوا أملاكهم وأرزاقهم بسبب سيطرة النظام السوري عليها، وبات تأمين الحاجيات الأساسية من غذاء ودواء إحدى أولى الأولويات.
ولم يَعُدْ بمقدور تلك العائلات مجرد التفكير بشراء ملابس جديدة أو ألعاب لأطفالهم، وأصبح اعتمادها الأساسي في ذلك على ما تقدمه بعض المنظمات الإنسانية خلال حملات العيد التي تنظمها، وذلك وفقاً لـ”حسن” الذي أشار أيضاً إلى أن بعض الأُسَر تُضطر لبيع قسيمة شراء الثياب التي تحصل عليها في الأعياد بأسعار مخفضة بهدف شراء موادّ أكثر أهمية.
بدورها، أكدت السيدة “أم يوسف” وهي مهجَّرة من ريف دمشق، أنها حاولت الخروج من الآثار النفسية التي خلَّفها النزوح والتهجير، وسعَتْ لتكوين علاقات جديدة تكون متنفَّساً لها ولأطفالها، في الأعياد وغيرها من أيام العام، إلا أن تلك المحاولات لم يُكتب لها النجاح.
وأوضحت “أم يوسف” أنها خرجت من الغوطة الشرقية قبل 3 أعوام، وبعد عدة أشهر من إقامتها في محافظة إدلب، أقامت علاقات مع العوائل القريبة من مسكنها، إلا أن ذلك لم يَدُمْ طويلاً، لأنها اُضطُرت إلى ترك منزلها بسبب رفع إيجاره.
وأضافت في حديثها لموقع “نداء بوست” أنها تنقلت في أكثر من 5 منازل منذ قدومها إلى الشمال السوري، الأمر الذي حال دون استمرار علاقاتها الاجتماعية، وأجبر أسرتها على قضاء أيام الأعياد بمفردها، باستثناء الأوقات القليلة التي يتم قضاؤها خارج المنزل وتحديداً في أماكن الألعاب المخصَّصة للأطفال.
وأشارت إلى أن أسرتها مضطرة للإقامة في بلدة بعيدة عن التجمع الأكبر لأقربائها، بسبب طبيعة عمل زوجها، وعدم حصوله على وظيفة في مكان قريب من باقي أفراد العائلة، مستدرِكة بالقول: إنه في بعض الأحيان تتم زيارتهم إلا أن ذلك مرتبط بمدة الإجازة أو العطلة التي تخصصها المؤسسة لزوجها.
جدير بالذكر أن السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، ليسوا بأفضلَّ حالاً من القاطنين في بلاد النزوح والمخيمات، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وانخفاض الدخل، حيث رصد مراسل “نداء بوست” في حمص انعدام الحركة الشرائية في أسواق المدينة، ولجوء الأهالي إلى أسواق “البالة” لسدّ احتياجاتهم من اللباس.