لن تصدق ما ترى.. السعودية وليست الأمازون.. غابة محجوزة لم تطأْها قدم في أرض الجفاف “مشاهد لأول مرة”

لن تصدق ما ترى.. السعودية وليست الأمازون.. غابة محجوزة لم تطأْها قدم في أرض الجفاف “مشاهد لأول مرة”
أخبار اليوم
فريق التحرير
تبدو المشاهد الخلابة للوهلة الأولى أنها في غابات الأمازون المطيرة أو في أي بقعة من الأرض باستثناء مناطق الجفاف العربي، الواقعة في الصحراء العربية الكبرى.
ومن الممكن أن تنهي الفيديو وانت تظن أنك تتجول وتشاهد غابات الأمازون المطيرة أو جزء من غابات الألب الفرنسية الشهيرة، وتصدف عينك جملة “رُجال ألمع” قرب عسير، لتعرف أن ما تشاهده هو جزء مما تبقى من الجنات التي كانت تمتد من عدن إلى الشام.
عندما تبدأ السيارة بالنزول من أعلى قمة في قرية السودة لتسلك عقبة “الصـ.ـمّاء” التي تربط بين جبال السروات ومحافظة رجال ألمع في تهامة، تخطر في البال كلمات الشاعر رسول حمزاتوف وهو يكتب مقدِّمة رائعته العالمية “داغستان بلدي”.
فمعالم الطبيعة الخلابة والجبال الشاهقة التي تتميز بها محافظة رجال ألمع لا تختلف كثيراً عما رواه حمزاتوف حول جمال المكان الآسر.
والتساؤل الذي شغل حمزاتوف شغلنا أيضاً، وهو: كيف يستطع الإنسان الكتابة بتجرد عن بلده أو مسقـ.ـط رأسه؟ سؤال لم نجد له إجابة آنذاك، ولكننا قرَّرنا ألا ننشغل به كثيراً…
من ينزل من أعالي عسير، وتحديداً من السودة التي ترتفع أكثر من 2800 متر عن سطح البحر، إلى بلدة رجال ألمع في تهامة عسير، عليه أن يعرف الطريقة المثلى للتعامل مع الانحـ.ـدار المخـ.ـيف والخطـ.ـر لعقبة “الصـ.ـمّاء”
وهي العقبة التي رغم أن طولها لا يتجاوز الـتسعة كليومترات، فإن صخورها الصـ.ـلبة الصـ.ـمّاء التي تتراص باتجاه السماء، كانت در.عاً تتكـ.ـسر عليه أطمـ.ـاع الغـ.ـزاة.
إن الجبال الشاهقة لا تعترف إلا بالرجال الأشـ.ـداء، الذين يجمعون قواهم وسط أهازيج “د.مة الحـ.ـرب”، وهي لون شعبي حماسي كان يؤدى في أيام الحـ.ـروب للتحـ.ـشيد ورفع الهـ.ـمم.
الوصول إلى رجال ألمع
عندما تشعر أن بإمكانك الاستغناء عن الاستعمال المفرط لمكابح السيارة، فهذا يعني أنك وصلت إلى أول نقطة في رجال ألمع، وهي وادي العوص الذي تتوزع على جنباته مزارع الذرة والدخن وبعض المنتجات الزراعية الأخرى مثل الخضار التي تزرع حول آبار حديثة العهد حُفرت خلال السنوات الأخيرة.
وبمواصلة السير شمالاً، تمرّ بقرية مندر العوص والشعبين التي تُعدَّ المركز الإداري للمحافظة منذ القدم.
ومن الدوار الذي يتزيّن بمجسم عالٍ يشبه برج ساعة الحرم المكي الشريف، يمكن للزائر الاتجاه جنوباً إلى نفق الشعبين الذي يخترق جبل رَز، ويربط شمال المحافظة بجنوبها. وإن رغب الزائر في الاتجاه شمالاً فهو سيمر ببلدتي الرصعة والجـ.ـرف اللتين تشكلان عمق المحافظة الإداري والتجاري.
بعد تجاوز نفق الشعبين الذي يُعد من أطول الأنفاق في السعودية (حوالي 1000 متر)، يكون الزائر أو السائح قد وصل فعلاً إلى إحدى أشهر وأعرق القرى التراثية في المملكة، وهي قرية “رُجال” التراثية التي تستعد حالياً لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي، حيث زادت وتيرة العمل فيها خلال الأسابيع الأخيرة، فتحوّلت إلى خلية نحل وورشة عمل لا تهدأ ليلاً أو نهاراً.
قصور وفنون ناطقة
ليس فن العمارة البديع في قصور بلدة “رُجال” التراثية، وتعدد طبقاتها حتى ستة أدوار وربما أكثر، وتلاصقها المثـ.ـير على مساحة صغيرة على ضفاف الوادي، هو وحـ.ـده ما يلفت النظر.
بل أيضاً عراقة تاريخها الحضاري والعلمي الذي يعود إلى 500 عام تقريباً بحسب بعض الباحثين.
فقد اشتهرت قرية “رُجال” بوجود علماء وقضاة من أشهرهم علماء آل كما كانت هناك مراسلات بين علماء الدرعية وعلماء قرية “رُجال” تم تحـ.ـقيق بعضها من قِبل عدد من الباحثين والمؤرخين.
إلا أن القرية عُرفت منذ القدم بالفنون اليدوية التي تجيدها بعض السيدات، ولعل أبرزها فن “القَط العسيري”، وهو فن تزيين جدران المنازل من الداخل، والذي سُجِّل ضمن قائمة التراث غير المادي العالمي في منظمة اليونيسكو عام 2017م.
وبفضل موقعها السياحي والثقافي على مستوى المملكة والعالم العربي، أصبحت “رُجال” مقصداً لمعظم زوار المنطقة من داخل المملكة وخارجها، وخصوصاً الباحثين والفنانين الغربيين الذين بهرتهم منطقة عسير بفنونها، وبعضهم ألّف فيها عدة كتب مثل الفرنسي تيريه موجيه.

عروق الماء
في جنبات مسجد القرية الذي كان مقصداً لطلاب العلم من مختلف قرى منطقة عسير قبل عشرات السنين، ارتفع أذان العصر، وكان هذا إيذاناً لنا بالبدء في سباق جديد مع الوقت للوصول إلى هدفنا النهائي من تلك الزيارة، وهو صعود جبال قيس وصـ.ـلب وبني جونة، وهي من الأماكن الشهيرة بمناظرها الخلّابة وطبيعتها الساحرة إضافة إلى قرى جبل غمرة وجبل المدرقة.
وقبل الصعود إلى تلك القمم العالية الموشّحة برداء أخضر، يمكن لمن يشاء من الزوّار أن يجول في أودية تحف بها غابات من أشجار السدر والجمّيز والأثب؛ مثل أودية “رُجال” و”رحب” و”الصليل” و”الميل” و”راده” و “محلية” و”العاينه”، و”ريم”.
وكل هذه الأودية هي روافد لوادٍ ضخم يدعى “عرمرم” يصبّ في البحر الأحمر.
والمتنزه في هذه الوديان لا يحتاج إلى أجهزة تشغيل الموسيقى لكي تكتمل متعته، فالمكان يضج بموسيقاه الخاصة، التي تتداخل فيها نغمات طيور “الوغا” وهو المعروف في أماكن أخرى بـ”السنونو”، مع “القمري” المعروف بزقزقته الفريدة، وتكمل الجوقة بأصوات طيور”العقائب” وهي من أنواع الحمام البرّي.
وتتناغم هذه الموسيقى الطبيعية مع عروق الماء التي تشكِّل شلالات صغيرة تخترق مسافات كبيرة من الأودية نتيجة كثافة الأمطار، حيث يمكن للزائر أو السائح مجاورتها في تخوم الأودية والمنحدرات السحيقة بمجرد دخول موسم “سهيل اليماني” الذي عُرف عند العرب بغزارة أمطاره.

أشجار المنطقة وغابات تتخللها الحـ.ـصون
ولأن متعة الرحلة لا تكتمل من دون الصعود إلى أعالي جبال رجال ألمع التي يزيد ارتفاع بعضها على 2500م عن سطح البحر، كانت رحلتنا هذه إلى أعالي جبال “حسوة” و”صلب” عبر طريق ما زال تحت الإنشاء، تكاد تختنق داخله حركة السيارات خلال شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر نظراً لكثرة قاصدي تلك الأماكن الساحرة.
نسأل مرافقنا ذي المعرفة الواسعة بعلم النبات عن أسماء الأشجار والشجيرات التي تحف بالطريق، فيقول مشيراً إلى غابة كثيفة إلى اليمين: الأشجار التي تشكل نسبة كبيرة من الغطاء النباتي هنا هي “الضهياء” و”السيال” ” والقرض” و”السلام” و”الغلف” و”الوشـ.ـايه” و”التين الشوكي”، كما يوجد كثير من شجر “العتم”، وهو نوع من الزيتون البرّي.
عند وصولنا إلى أعلى نقطة في جبل” قيس” برجال ألمع، وأصبحنا نطل على سلاسل جبلية من جميع الجهات، كشف لنا المنظار المقرّب وسط شواهد حضارية قديمة قائمة وسط هذا الاخضرار، وهي عبارة عن حصـ.ـون قديمة عالية الارتفاع، مبنية بالكامل من الحجر الصوّاني، ومزينة بحبات من حصى “المرو”.
المثـ.ـير للاهتمام أكثر، هو العدد الكبير من المباني الحـ.ـربية القديمة التي يطلق عليها اسم “القصبات”.
وهي مبانٍ حجرية على شكل مخروطي، تحتل مواقع استراتيجية على رؤوس الجبال، وتوجد في جدرانها فتحات صغيرة كانت تستخدم لإطـ.ـلاق الرصـ.ـاص على الأعـ.ـداء.
العربية نت ووكالات
12 تعليقات