بين ليلة وضحاها.. سرمدا الصغيرة باتت نافذة السوريين نحو الأسواق العالمية.. تجني آلاف الدولارات

بين ليلة وضحاها.. سرمدا الصغيرة باتت نافذة السوريين نحو الأسواق العالمية.. تجني آلاف الدولارات
أخبار اليوم
فريق التحرير والمتابعة
أحدثَ النـ.ـزاع في سورية تحوّلًا أساسيًا في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الواقعة شمال البلاد عند الحـ.ـدود مع تركيا.
وقد أدّى إلى تراجع دور حلب باعتبارها المركز الاقتصادي لسورية، وبروز بلدات حـ.ـدودية ضمن منظومة اقتصادية جديدة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحـ.ـدود.
وتُجسّد سرمدا، الواقعة في محافظة إدلب، هذا التحوّل، فهذه البلدة الصغيرة التي تقع على مقربة من معـ.ـبر باب الهوى الحـ.ـدودي، والتي لطالما حـ.ـجبتها عن الأضواء أهمية حلب، تحوّلت إلى مركز تجاري يربط جزءًا من الاقتصاد السوري بالأسواق التركية وبالتالي العالمية.
انطـ.ـلق مسار التحوّل في سرمدا على وقع عسكرة الثـ.ـورة السورية في العام 2012، وتسارعت وتيرته حين غـ.ـرقت سورية، بعد فترة وجيزة على ذلك، في أتون الحـ.ـرب الشاملة.
وفي العام 2012، سحب النظام تدريجيًا قـ.ـواته من المناطق الريفية في إدلب حيث تنامى نشاط الثـ.ـوّار، فقُـ.ـطِعت حلب عن عمقها الاقتصادي.
في غضون ذلك، تقـ.ـاسمت مجموعات الثـ.ـوّار وقـ.ـوات النظام المدينة في ما بينها، ما أسفر عن نتائج كـ.ـارثية من حيث الخسـ.ـائر في الأر.واح، وهـ.ـروب الرساميل واليد العاملة الماهرة، ود.مار البنى التحتية.
وبدأ مركز المنظومة التجارية في شمال سورية بالتحوّل من حلب نحو المناطق الحـ.ـدودية الخـ.ـاضعة لسيـ.ـطرة الثـ.ـوّار في شمال غرب البلاد، ولا سيما سرمدا ومعبر باب الهوى المجاور.
وبحلول 2013-2014، كانت مدينة حلب قد تعـ.ـرّضت فعليًا للتهـ.ـميش، وفي الأعوام اللاحقة، تبدّل مشهد مجتمع الأعمال في سرمدا، وتبدّلت معه كذلك هوية المجموعات المسـ.ـلّحة التي فـ.ـرضت سيطـ.ـرتها على البلدة ومعـ.ـبر باب الهوى.
حاليًا، تقع سرمدا وباب الهوى في المنطقة الخـ.ـاضعة لحكم هيـ.ـئة تحـ.ـرير الشام الإسـ.ـلامية المتشـ.ـدّدة.
ولكن على الرغم من التغييرات المختلفة، بقي جوهر النشاط الاقتصادي الذي برز في أعقاب انسـ.ـحاب النظام من المنطقة الحـ.ـدودية ثابتًا من دون أي تبديل، وقوامه استيراد السلع إلى سورية.
وكان باب الهوى حتى العام 2017 من المعـ.ـابر الحـ.ـدودية القليلة التي ظلّت قـ.ـيد التشغيل، ما منح سرمدا أهمية كبرى، إذ تحوّلت إلى صلة وصل اقتصادية بين تركيا والمناطق السورية الواقعة في قبـ.ـضة الثـ.ـوّار من جهة، وتلك الخـ.ـاضعة لسيـ.ـطرة النظام من جهة أخرى.
وعلى الرغـ.ـم من إنشاء معـ.ـابر حـ.ـدودية عدّة لاحقًا على طول الحـ.ـدود السورية، ما أدّى إلى تحوُّل الكثير من القرى المجاورة إلى بلداتٍ، تبقى سرمدا بوّابة تجارية مهـ.ـمّة إلى العالم الخارجي.
ففي حين عُز.ِلت حلب من جميع الجهات تقريبًا وفقدت إمكانية الوصول المباشر إلى الحـ.ـدود التركية، ظلّت هذه الحـ.ـدود مفتوحة أمام التبادل التجاري مع المناطق الخـ.ـاضعة لسيطـ.ـرة الثـ.ـوّار في سورية.
نتيجةً لذلك، انتقل عدد كبير من رجال الأعمال والتجّار إلى بلدات حـ.ـدودية كانت مهـ.ـمَّشة سابقًا في شمال سورية، وإلى تركيا، وحتى أبعد منها.
وأصبحت سرمدا، لأولئك الذين انتقلوا إلى تركيا، البوّابة الرئيسة لعلاقات الأعمال مع الأسواق السورية.
كذلك، بدأت مدنٌ وتجّارٌ كانوا يدورون سابقًا في فلك حلب، بالبحث عن بوّابة جديدة وآمـ.ـنة يستوردون من خلالها سلعًا من الخارج، ووجدوا ضـ.ـالّتهم في سرمدا.
واقع الحال أن المنظومة الاقتصادية الناشئة أعادت رسم الطرق التجارية الأساسية، قبل الحـ.ـرب، كانت مدينة حلب الجسر التجاري الأساسي مع العالم الخارجي، أما بعد الحـ.ـرب فأصبحت سرمدا تلعب هذا الدور، لكنها لم تحل محل حلب.
قرابة أواخر العام 2013، خـ.ـاضت مجموعات عدّة من الثـ.ـوار مواجـ.ـهات في ما بينها للسيـ.ـطرة على معبر باب الهوى.
فأنشأت شبكات أعمالها الخاصة أو استـ.ـولت على الشبكات القائمة من خلال إعادة تنظيمها.7 وفي نهـ.ـاية المطاف، كانت الغـ.ـلبة لتحـ.ـالف أحـ.ـرار الشام المؤلَّف من مجمـ.ـوعات إسـ.ـلامية متشـ.ـددة في شمال سورية.
وبعدما تمكّن تنظـ.ـيم أحـ.ـرار الشام من فـ.ـرض سيطـ.ـرته المطلـ.ـقة على المعـ.ـبر في مطلع العام 2015، أنشأ هيئة مدنية لإدارته.
وبحلول ذلك الوقت، أصبحت تركيبة التجّار الناشطين في سرمدا أكثر تنوّعًا إلى حـ.ـد كبير بعدما كانت محلية الطابع بصورة أساسية، إذأ أنشأ تجّار من مختلف أنحاء سورية قـ.ـاعدة لهم في البلدة التي ظهر جليًّا أنها تحوّلت إلى مركز صاعد للنشاط التجاري.
ترافقَ التحوّل الاقتصادي مع تحوّل ديمغرافي شمل جزءًا كبيرًا من المنطقة الحـ.ـدودية الشمالية.
وفي هذا الإطار، أدّت ظروف السوق المؤاتية، مقرونةً بالأمـ.ـان النسبي الذي تتمتع به سرمدا من ممارسات النظام والهـ.ـجمات الجوية الروسية بحكم قربها من الحـ.ـدود التركية، دورًا أساسيًا في هذه التطورات.
وهكذا تدفّق السوريون النازحون داخليًا بأعداد كبيرة إلى المنطقة، وبين ليلة وضحاها، تحوّلت سرمدا التي كانت تضم نحو 15000 نسمة قبل العام 2011، إلى مدينة متوسّطة الحجم يبلغ عدد سكانها حوالى 130000 نسمة.
وازداد عدد السكان في منطقة حارم التي تضم سرمدا وباب الهوى وبلدات حـ.ـدودية أخرى، من 450000 نسمة في العام 2011 إلى 1.1 مليون نسمة في العام 2019.8
نتيجةً لذلك، سجّل الطلب على العقارات زيادة كبيرة فحدثت طفرة في قطاع البناء.
ويشرح مهندس معماري محلي: “مَن استثمروا في سرمدا كانوا تجّارًا من حلب وإدلب وحماة ومعرة النعمان يعملون أصلًا في ذلك المجال.
جاؤوا إلى سرمدا واشتروا أراضي أو اتفقوا مع المالكين على الاستثمار فيها بصورة مشتركة.
ولطالما كان المعيار السائد بناء منازل من طابق واحد، لكن استُبدِل على نحوٍ متزايد بتشييد مبانٍ من طوابق عدّة في البلدة نفسها، إضافةً إلى نَصْب خيمٍ متداعية للنازحين داخليًا في مناطق أبعد على طول الحـ.ـدود.
ونشأت أيضًا أحياءٌ كاملة تتّسم بالفخامة والترف، على غرار قصور سرمدا، وفي حين أن سعر المتر المربع في عدد كبير من العقارات كان يساوي نحو 20 دولارًا، وصل سعر المتر المربع إلى 100 دولار في العقارات الراقية.10 وهكذا، بين ليلة وضحاها، شهدت بلدة ريفية صغيرة تحوّلًا جغرافيًا واقتصاديًا واسعًا.11
انعكس التطوّر السريع لبلدة سرمدا ومحيطها في مواقع عدّة في جهتَي الحـ.ـدود، فظهرَ، نتيجةً للنـ.ـزاع المستمر، تجمّعان سكنيان سوريان أساسيان، الأول في شمال سورية ويضم نحو 2.6 مليون سوري مع الإشارة إلى أن كثرًا بينهم هم من النازحين داخلياً.
والثاني في جنوب تركيا حيث استقرّ نحو 1.6 مليون سوري.13 وصلة الوصل بين “السوريتَين” اللتين تفصل بينهما حـ.ـدود دولية هي جسر باب الهوى الأساسي وجسر سرمدا الثانوي.
ففي حين أن الأول يُشكّل بوّابة محورية إلى الأسواق الخارجية، يؤدّي الثاني الدور نفسه للأسواق السورية.
إذًا، لا تؤدّي الحـ.ـدود السورية-التركية في منطقة سرمدا/باب الهوى الوظيفة التقليدية المتمثّلة في تحديد الخط الفاصل بين دولتَين متجاورتَين، بل هي بمثابة منطقة للتجارة الحرّة تقع في التخوم الفاصلة بين سورية وتركيا.
مركز مالكوم كير كارينغي