أخبار المشاهيرمنوعات وطرائف

“تَزَبَّبْتَ قبل أن تُحَصْرِم”.. قصة أبي حنيفة النعمان وتلميذه أبي يوسف وأجوبة نعم ولا

“تَزَبَّبْتَ قبل أن تُحَصْرِم”.. قصة أبي حنيفة النعمان وتلميذه أبي يوسف وأجوبة نعم ولا

أخبار اليوم

فريق المتابعة والتحرير

يبقى المعلم معلما والتلميذ تلميذا، فالمعلم ذو خبرات في الغالب أكبر بكثير من تلاميذه.

العلماء في السابق كانوا يحرصون على الطلاب النبهاء حتى ينشؤوا منهم علماء من بعدهم.

من ذلك ما اشتهر عن الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف القاضي، يقولون إن أبا يوسف القاضي مر بالمسجد وهو غلام صغير، عمره قرابة  نسعة أعوام، فجلس يستمع إلى حلقة الإمام، ثم مر في اليوم التالي فجلس يستمع إلى علم الإمام أيضا.

ثم في اليوم الثالث سأل أبا حنيفة سؤالا فأعجب الإمام بنباهة هذا الغلام.

فبدأ أبو حنيفة يهتم بحضور هذا الطفل، ويراقب مجيئه، فلاحظ الإمام أن هذا الغلام يغيب كثيرا عن الدرس.

ناداه يوما وسأله: أنت، لم تغيب؟ فقال له الغلام: أبي يمنعني من الحضور، قال له: لماذا يمنعك من الحضور؟ فأجاب الغلام: نحن قوم فقراء، وأبي يطلب مني أن أشتغل في السوق.

قال له: تشتغل وأنت ابن تسع سنوات. فرد الغلام: أشتغل حمالاً، أذهب أحمل الأشياء التي أستطيع أن أحملها، فقال له الإمام: لماذا لا تحضر؟ فرد الغلام: أبي منعني من الحضور عند أبي حنيفة، لأنه يقول إن أبا حنيفة خبزه مشوي.. أي هو تاجر غني فإن قعد في المسجد لا تنقص تجارته.

أما إن قعدنا نحن في المسجد فسنموت من الجوع.

فطلب منه الإمام أن يدعو له أباه، فدعا له أباه فإذا به رجل من عامة الناس، فسأله أبو حنيفة: لم لا تسمح لولدك أن يحضر في الميسد؟.

قال الرجل: يا أبا حنيفة نحن قوم فقراء، وماذا يستفيد ابني إن حضر عندك؟.. هب أنه ضبط علمك أي أخذ كل علمك، هل يطعمنا هذا خبزاً؟.

قال أبو حنيفة: إني أعلّم ولدك علما إن أتقنه جلس على الطنافس في صدور المجالس عند الخلفاء وأكل اللوز بالفالوذج.. وهو نوع من الحلويات غال لا يوجد إلا عند العظماء.

فاستغرب الرجل وضحك وقال: هذا يأكل اللوز بالفالوذج، هذا عساه يملأ بطنه من خبز الشعير، وعند الملوك!!

ثم جذب ولده ليخرج.. فأمسك به أبو حنيفة وقال له: كم سكيب ولدك في اليوم، قال: يكسب درهمين.. قال أبو حنيفة: أنا أعطيه درهمين كل يوم، وأبقه في مجالس العلم.

فصار الغلام يأتي ويطلب العلم عند أبي حنيفة وفي نهاية كل درس يعطيه الإمام درهمين.

كبر أبو يوسف وضبط علم أبي حنيفة، وصار أهم طالب عند الإما.

ولما كبر وصار عمره عشرين عاماً غاب يومين أو ثلاثة عن مجلس أبي حنيفة، فأخبروا الإمام أن أبا يوسف مريض فذهب يعوده.

فدخل عليه الإمام وإذا المرض قد اشتد به، فخرج أبو حنيفة وهو يقول: لقد كنت أرجوك للناس من بعدي.

ولكن أبا يوسف شفي بعد أيام، فقام من فراشه واغتسل ولبس ثيابه وعزم إلى المسجد، فقال له قائل: إلى أين يا أبا يوسف؟. قال: إلى مجلس الإمام.. فقال له: أنت اليوم عندك كل علم الإمام، فما يمنعك أن تعقد مجلس علم وحدك؟.

وقالوا له: أما سمعت ما قال عنك أبو حنيفة؟ عن علمك وحكمتك، فأنت الآن صنو الإمام، فأعجب بهذا الكلام، ومضى إلى المسجد وفتح حلقة وبدأ الطلاب ينجذبون إليها.

التفت الإمام أبو حنيفة فإذا حلقة جديدة في مسجد الكوفة لم يعهدها من قبل، وسأل من القائم عليها.. قالو له: هذا الشيخ أبو يوسف، فقال: تلميذي؟.. قالوا له: نعم، فسأل لم لم يحضر فأبلغوه أنه سمع مقالتك فيه وقال إنه الآن شيخ يعلّم الناس ولا حاجة أن يتعلم.

فقال أبو حنيفة: يأبى أبو يوسف إلا أن نقشر له العصا، أي هل يجب أن نؤدبه، ثم نادى تلميذا من تلاميذه وقال له: اذهب إلى ذلك الشيخ الجديد واسأله ثلاثة مسائل.

فمضى الطالب إلى حلقة أبو يوسف.. وقال : يا شيخ لدي مسألة ؟؟، فقال ( أبو يوسف) : ما مسألتك؟
قال الطالب : رجل دفع ثوبا إلى الخياط .. ليقصره ..
فلما جاءه بعد أيام يريد ثوبه .. جحده الخياط .. وأنكر انه أخذ منه ثوبا.. فذهب الرجل إلى الشرطة .. فاشتكاه .. فأقبلوا .. واستخرجوا الثوب من الدكان ..

والسؤال: هل يستحق الخياط أجرة تقصير الثوب أم لا يستحق ؟ فقال أبو يوسف على الفور : نعم يستحق .. ما دام أتم العمل، فقال الطالب: أخطأت !

فتعجب أبو يوسف .. وتأمل المسألة أكثر .. ثم قال : لا ..لا يستحق الأجر ..
فقال ( الطالب) : أخطأت !

فنظر أبو يوسف إليه.. ثم سأله : بالله .. من أرسلك ؟؟! فأشار الطالب إلى أبي حنيفة وقال : أرسلني الشيخ !
فقام أبو يوسف من مجلسه ..

ومضى حتى وقف على حلقة أبي حنيفة.. فقال : مسألة يا شيخ؟!
فلم يلتفت أبي حنيفة إليه !
فأقبل أبو يوسف .. وجثي على ركبتيه ..بين يدي أبي حنيفة ..

وقال ( بكل أدب ) : يا شيخ .. مسألة؟ فقال (أبو حنيفة) : ما مسألتك ؟
قال ( أبو يوسف) : أنت تعرفها !!
قال ( أبي حنيفة) : مسألة الخياط والثوب ؟
قال : نعم ..

فقال له ( أبي حنيفة ) معاتبا : اذهب .. وأجب .. ألست شيخا ؟؟!قال ( أبو يوسف) بأدب : الشيخ أنت ..

فقال ( أبي حنيفة ) في جواب المسالة :
ننظر في مقدار تقصير الخياط للثوب .. فإن كان قصره على مقاس الرجل .. فمعنى ذلك .. أنه قام بالعمل كاملا .. ثم بدا له أن يجحد الثوب .. فيكون قام بالعمل لأجل الرجل .. فيستحق عليه الأجر..

وان كان قصره على مقاس نفسه، فمعنى ذلك .. انه قام بالعمل لأجل نفسه .. فلا يستحق على ذلك أجرة ..

ثم قال له أبو حنيفة: تَزَبَّبْتَ قبل أن تُحَصْرِم.. أي صرت زبيبا قبل أن تصير حصرماً.

فقبل أبو يوسف رأس أبي حنيفة، ولازمه حتى مات أبي حنيفة ..
ثم جلس أبو يوسف للناس من بعده، ولم ينسها أبو يوسف من بعد.

أخبار اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى