من خلال قناة إسطنبول.. أردوغان ينجح في وأد “اتفاقية مونترو” دون الإعلان عن موتها

من خلال قناة إسطنبول.. أردوغان ينجح في وأد “اتفاقية مونترو” دون الإعلان عن موتها
أخبار اليوم
فريق المتابعة والتحرير
التحـ.ـايل على اتفاقية مونترو
ما هي اتفاقية مونترو؟
لماذا يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على القناة، وما علاقتها بخطة العدالة والتنمية الاقتصادية؟
ماذا عن التحذيرات منها والخـ.ـلافات حولها؟
مع تزايد الجـ.ـدل المحلي والدولي حول مستقبل اتفاقية مونترو الناظمة لعمل المضائق المائية التركية بالتزامن مع اقتراب البدء بإنشاء قناة إسطنبول المشروع الاستراتيجي المثـ.ـير للجدل والأكبر في تركيا، اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على أن “مشروع قناة إسطنبول ليس له علاقة من قريب أو بعيد باتفاقية مونترو”.
غير أن هذا النفي وإن كان قاطعاً من ناحية نفي وجود نية تركية لإنهـ.ـاء العمل باتفاقية مونترو، إلا إنه لا ينفي على الإطلاق أن مشروع القناة بحد ذاته هو “مسمار في نعـ.ـش الاتفاقية” إن صح التعبير.
ويحمل المشروع في طياته أيضاً رسالة أعمق وأهم وهي أن اتفاقية مونترو تتعلق فقط بمضيقي البوسفور والدردنيل ولا تنطبق على قناة إسطنبول التي وافقت الحكومة التركية على خططتها النهائية ويتوقع أن يبدأ الحفر بها الصيف المقبل.
وعلى الرغم من أن اتفاقية مونترو التي وقع عليها عام 1936 كان يفترض أن تنتهي فترة العمل بها عام 1956 كونها حددت فترة التعهد ببنودها لمدة 20 عاماً، لكن عدم تقدم أي طرف من الموقعين عليها وخاصة تركيا وروسيا بأي طلب لتعديلها أو إلغائها استمر العمل بها ضمنياً منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
ولذلك فإن الخروج من الاتفاقية لا يرتبط بضـ.ـوابط قانونية أو تعهدات دولية مُقـ.ـيدة، بل بات الأمر يتعلق بموازين القوى الدولية والإرادة السياسية لاتخاذ قرار استراتيجي بهذا الحجم يحمل في طياته الكثير من الحسابات السياسية والعسـ.ـكرية والاقتصادية.
ويبدو أن هذه الحسابات لا يبدو أن تركيا مستعدة لها في الوقت الحالي، ولا يعتقد أن أنقرة تعمل بالفعل من أجل التمهيد لإعلان علني قاطع بإنهاء العمل بالاتفاقية.
لكن في المقابل، يبدو مشروع قناة إسطنبول وكأنه محاولة للالتفاف على الاتفاقية بطريقة أخرى وذلك من خلال إضعـ.ـافها والتحايل على ضـ.ـوابطها وإفراغها من مضمونها ولو جزئياً بطريقة غبر مباشرة، وذلك في ظل صعوبة اتخاذ خطوة كبيرة بحجم إنهاء العمل باتفاقية مونترو لما يحمله ذلك من حسابات خطـ.ـيرة مع روسيا وتوازنات دولية معقدة لا تمتلك أنقرة الإرادة والمقومات السياسية لخـ.ـوضها في الوقت الحالي.
ويفهم ضمنياً من تصريحات أردوغان التي أكد فيها التزام بلاده باتفاقية مونترو محاولة حثيثة للتفريق بين الالتزام بالاتفاقية ومشروع قناة إسطنبول، والتشـ.ـديد على أن مشروع القناة ليس له أي علاقة بالاتفاقية.
ورغم ان المعنى الظاهر يحمل فكرة التأكيد على الالتزام ببنود الاتفاق، إلا أن ما يفهم من هذه الرسالة أعمق من ذلك ويمكن فهمه بمعنى آخر هو “اتفاقية مونترو ملزمة لنا في مضيقي البوسفور والدردنيل لكنها لن تكون ملزمة لنا في قناة إسطنبول على الإطلاق”.
وقال أردوغان يوم الأربعاء: “مشروع قناة إسطنبول لا علاقة له باتفاقية مونترو من قريب أو بعيد، فمونترو اتفاقية متعلقة بمضيق البوسفور.. سننجز مشروعاً يساهم في تعزيز سيادتنا واستقلالنا بشكل كامل”.
وأضاف: “قناة كهذه بعيدة كل البعد عن اتفاقية مونترو، ستوفر لإسطنبول مزيدا من الرفاهية والراحة”.
في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الخميس، أن “تركيا تطبق اتفاقية مونترو حرفيًا، وينبغي ألا يكون لدى روسيا أو غيرها أي مخـ.ـاوف حيال ذلك”.
وشدد أوغلو على أن القواعد والقـ.ـيود واضحة، والعبور من المضائق يجري ضمن هذا الإطار، مؤكدا مرة أخرى أن مشروع “قناة إسطنبول لا ينتـ.ـهك اتفاقية مونترو”.
هذه التصريحات المبنية على قاعدة التفريق بين مونترو وقناة إسطنبول تكشف الخط السياسي الذي اختارته تركيا لتهدئة مخـ.ـاوف روسيا والعالم من وجود ربط مباشر بين القناة والاتفاقية.
بيد أنها تفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن الطريقة التي ستشغل من خلالها تركيا قناة إسطنبول وتضمن جني عوائد اقتصادية من المشروع المتوقع أن يكلف أكثر من 70 مليار ليرة تركية.
على الرغم من عدم وجود أي تصريحات رسمية في هذا الإطار، إلا أن الكثير من الجوانب يمكن فهمها من المبـ.ـررات التي ساقتها الحكومة لتقنع الشارع التركي بأهمية قناة إسطنبول والتي كان أولها حماية مضيق البوسفور من الازد حام والمخـ.ـاطر البيئية وجني مكاسب اقتصادية.
ولتحقيق هذا الهـ.ـدف، يعتقد أن الحكومة التركية ستلجأ تدريجياً لمنع مرور أي سفن تحمل مواد خـ.ـطرة أو مواد كيميائية ولاحقاً أي سفن تحمل نفط وغاز ومشتقات الوقود المختلفة من مضيق البوسفور تحت مبرر حماية مضيق البوسفور من المخـ.ـاطر البيئية ومنـ.ـع حصول كـ.ـوارث طبيعية.
ما هي اتفاقية مونترو؟
ووقعت اتفاقية مونترو في سويسرا عام 1936 بمشاركة الاتحاد السوفياتي وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا، وتتضمن 29 بندا و4 ملحقات وبروتوكولا.
وأعلنت الاتفاقية حرية المرور عبر مضايق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحـ.ـرب، وسمحت بمرور السفن الحـ.ـربية لدول حوض البحر الأسود بدون أي تحديد.
وعلى هذا الأساس فإنه في حال تجاوز سفن الدول خارج حوض البحر الأسود للمدة المعينة (21 يوما) فإن ذلك يعتبر إخلالا بالاتفاقية الدولية، وبذلك تتحمل الدولة التي سمحت بعبور السفن (أي تركيا) المسـ.ـؤولية المباشرة.
أنقرة من جهتها تود -حسب مقال لقائد القوات البحرية السابق فتح أرباش- أن تُتخذ تدابير أكثر صرامة عند مرور السفن التي تشكل خطـ.ـرا على البيئة، ومن بينها سفن نقل البترول ومشتقاته، فضلا عن رغبتها بعوائد مالية أكبر من مرور السفن.
لماذا يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على القناة، وما علاقتها بخطة العدالة والتنمية الاقتصادية؟
تعد القناة أحد المشاريع العملاقة التي واكبت ظهور “رؤية 2023” التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية كخطة متوسطة المدى، تهـ.ـدف تركيا من خلالها إلى احتلال مركز بين أقوى 10 دول في العالم بحلول الذكرى السنوية الـ100 لتأسيس الجمهورية الحديثة.
وكان أردوغان قال “يلجؤون إلى كل الوسائل لمنع تحقيق هذا المشروع الذي يحظى بأهمية إستراتيجية والذي سيترك بصمته على القرن المقبل في إسطنبول وبلادنا”، مضيفا “لم ولن نسمح لأي قوة بالحيلولة دون تنفيذ مشروع القناة”.
ويؤكد خبراء أن إصرار الرئيس أردوغان على القناة ينبع من اعتقاده وخططه بضرورة التخلص التام من الهيمنة على بلاده، وخير دليل العمل بجد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفـ.ـاعية، فقناة إسطنبول ستتحكم تركيا بها بشكل كامل اقتصاديا وسياسيا على عكس مضيق البوسفور.
ماذا عن التحذيرات منها والخـ.ـلافات حولها؟
رغم أن الحكومة التركية تقول إن القناة الجديدة ستخفف من العبء الملاحي عن مضيق البوسفور، وتقلل من الانبعاثات والمخلفات التي قد تضر بالمناطق الأثرية والتراثية المحيطة، فإن المعارضة ترى أن القناة ستعزل المنطقة الأثرية في إسطنبول وتحولها إلى جزيرة.
ويعارض رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، خطط حفر القناة، ووصفها بأنها “مشروع كـ.ـارثي سيتسبب في مجـ.ـزرة بيئية”.
ويخشى المعارضون من أن عمليات الحفر ستخل بتماسك التربة على جانبي القناة، ويلحق الضرر بمخزون المياه الجوفية، مما قد يتسبب في انهيارات أرضية واحتمال حدوث زلازل.
كما ذكرت دراسة أُجريت في جامعة “حجي تبة” التركية أن قطع أشجار الغابات في الشمال عند ساحل البحر الأسود لحفر القناة سيحد من مستويات الأكسجين في المياه ويزيد الملوحة، التي ستصب في النهاية في بحر مرمرة، فتؤثر على توازن الحياة البحرية وتملأ هواء إسطنبول برائحة الماء العفن.
ومن المتوقع أن تتسبب الاستثمارات حول القناة في زيادة تعداد إسطنبول بحوالي 1.2 مليون نسمة، وهو ما يتعارض مع الخطط الحكومية بإبقاء تعداد المدينة المكتظة عند 16 مليون نسمة.
متى ينطلق المشروع ومتى ينتهي؟
حتى اليوم، لم تعلن السلطات الرسمية التركية تاريخا دقيقا لبدء الحفريات في القناة، لكن وزير المواصلات والبنية التحتية أكد أن في حال بدء المشروع في 2021 فسينتهي في 2027.
وفي نهاية عام 2019، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من العاصمة الصربية بلغراد أن بلاده تعتزم وضع حجر الأساس لمشروع “قناة إسطنبول” الموازية لمضيق البوسفور مطلع عام 2020، لكن بسبب حالة الإغلاق التي عمت البلاد نتيجة انتشار وباء كورونا لم يجر البدء في المشروع.
وقال وزير البيئة التركي مراد قوروم، السبت، إن تركيا وافقت على خطط تطوير قناة إسطنبول، وكتب الوزير على تويتر: “وافقنا على خطط تطوير مشروع قناة إسطنبول وطرحناها للتشاور العام. وسنتخذ خطوات سريعة لإثراء بلدنا ومدينتنا المقدسة بقناة إسطنبول”.
وتقول الحكومة إن قناة إسطنبول التي ستربط البحر الأسود شمالي إسطنبول ببحر مرمرة جنوباً وتبلغ تكلفة إنشائها نحو 75 مليار ليرة (9.2 مليار دولار) ستخفف حركة الملاحة في مضيق البوسفور، أحد أكثر الممرات البحرية إزدحاما في العالم، وستمنع حـ.ـوادث مماثلة لتلك التي حدثت هذا الأسبوع في قناة السويس حيث يتواصل العمل لإعادة تعويم سفينة حاويات عملاقة تسد القناة.
إلى جانب ذلك، ربما تلجأ الحكومة التركية لتحديد عدد السفن التي يسمح لها يومياً بالعبور من البوسفور، حيث يفترض أن يمر سنوياً 25 ألف سفينة فقط من مضيق البوسفور، ولكن بسبب الضغط والطلب الكبير يمر أكثر من 50 ألف سفينة سنوياً.
ولجوء تركيا لتحديد عدد السفن قد يدفع أكثر من 25 ألف سفينة سنوياً للتفكير بالعبور عبر قناة إسطنبول، وإلا سيكون الخيار الآخر هو الانتظار لفترة طويلة جداً في البحر لتكون بذلك تكاليف العبور من قناة إسطنبول أقل من تكلفة الانتظار في عرض البحر وهي عملية تعـ.ـارضها تركيا أيضاً.
وتقول تركيا إن منظر السفن المتكدسة تشـ.ـوه مشهد السواحل التركية وإنها ستعمل على معالجة الأمر ما يعني أن خيار الانتظار سيكون أصعب أيضاً في ذلك الوقت.
هذه الخيارات وغيرها التي تتمحور حول الترغيب بصيغة شبه اجبارية يعتقد أنها ستدفع لتحريك العمل في قناة إسطنبول المدفوعة على حساب المرور من مضيق البوسفور المجاني، وستكون بمثابة أداة الحكومة التركية للتحايل على بنود اتفاقية مونترو بشكل تدريجي ودون أي إعلان يتعلق بالخروج من الاتفاقية أو وقف العمل بها.
لكن فرض واقع قناة إسطنبول والتغييرات المتوقعة ربما يدفع نحو انفتاح كافة الأطراف وخاصة روسيا على التفاوض على تعديل مونترو أو التوقيع على اتفاقية جديدة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات روسيا العسـ.ـكرية وطموحات تركيا الاقتصادية.
وفي حين تبدو الحلول أسهل في الجانب الاقتصادي، يبقى الجانب العسـ.ـكري هو الأخـ.ـطر والأكثر حسـ.ـاسية بالنسبة لروسيا والغرب، حيث لا يعتقد في المرحلة الأولى ان تكون تركيا معنية بتغيير الوضع في البحر الأسود أو إغـ.ـضاب روسيا.
وستعمل تركيا قدر الإمكان على الحفاظ على الوضع القائم إلا أنها ستبقى ورقة قوية في يدها لتبدي روسيا تعاوناً أكبر معها للحفاظ على الاستقرار في البحر الأسود مع الأخذ بعين الاعتبار أن مونترو تبقى حاكمة للمرور عبر مضيق الدردنيل أيضاً ما يجعل من تغيير الوضع العسـ.ـكري أكثر صعوبة أمام إمكانية تغيير الوضع الاقتصادي من خلال قناة إسطنبول.
المصدر: القدس العربي وويكيبيديا وأخبار اليوم