أخبار المشاهيرمنوعات وطرائف

من أعظم ملوك الأرض وحكم أجمل البلاد مدة نصف قرن.. «يحكي أنه لم يعش سوى 14 يومًا في سعادة»

من أعظم ملوك الأرض وحكم أجمل البلاد مدة نصف قرن .. «يحكي أنه لم يعش سوى 14 يومًا في سعادة»

أخبار اليوم-منوعات

فريق المتابعة والتحرير

وقفات مع عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر وتوحيد الأندلس

شخصيته

وصيته وفلسفته في الحياة

 

أمير المؤمنين أبو المُطرّف عبد الرحمن الناصر لدين الله (ولد 11 يناير 891م / 277 هـ -وتوفي 15 أكتوبر 961م / 350 هـ).

هو ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل في الأندلس بعد سقـ.ـوط الخـ.ـلافة الأموية في دمشق، وأول خـ.ـلفاء قرطبة بعد أن أعلن الخـ.ـلافة في قرطبة في مستهل ذي الحجة من عام 316 هـ.

والمعروف في الروايات الغربية بعبد الرحمن الثالث تمييزًا له عن جديه عبد الرحمن بن معاوية (عبد الرحمن الداخل) وعبد الرحمن بن الحكم (عبد الرحمن الأوسط).

نشأ عبد الرحمن بن محمد يتيمًا؛ وكان عبد الرحمن من ناحيته فتى شديد النجابة والنبوغ.

وأبدى بالرغم من حداثته تفوقًا في العلوم والمعارف إلى درجة تسمو على سنه، ودرس القرآن والسُّنَّة وهو طفل لم يجاوز العاشرة.

وبرع في النحو والشعر والتاريخ، ومهر بالأخص في فنون الحـ.ـرب والفروسية، حتى كان جده يُرَشِّحه لمختلف المهام، ويندبه للجلوس مكانه في بعض الأيام والأعياد لتسليم الجـ.ـند عليه.

وهكذا تعلَّقت آمال أهل الدولة بهذا الفتى النابه، وأضحى ترشيحه لولاية العهد أمرًا واضحًا مقضيًّا، بل يقال: إن جده قد رشحه بالفعل لولاية عهده، وذلك بأن برئ بخاتمه إليه حينما اشتدَّ عليه المرض كإشارة باستخلافه.

وقفات مع عبد الرحمن الناصر

إن دراسة كافَّة جوانب حياة عبد الرحمن الناصر لَتحتاج إلى دراسة جادَّة متأنِّية، وعناية خاصَّة تَفُوق هذه السطور، إلا أن هناك بعض الإشارات العامَّة رأينا أن نقف أمامها بعض الشيء.

فحينما تولى الحُكم كان يبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنةً هجريةً؛ أي: إحدى وعشرين سنةً ميلادية، وبِلُغَةٍ أخرى فهو طَالِبٌ بالفرقة الثالثة أو الرابعة بالجامعة في أيامنا هذه، هذه واحدة.

أمَّا الثانية فإنه يُخطئ مَنْ يَظُنُّ أن تاريخ عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- يبدأ منذ هذه السن أو منذ ولايته هذه على البلاد، فقد رُبِّي عبد الرحمن الناصر منذ نعومة أظافره تربية قلَّما تتكرَّر في التاريخ.

لم يكد يرى عبد الرحمن الناصر نورَ الدنيا حتى قُتِـ.ـلَ أبوه، وهو بعدُ لم يبلغ من العمر إلا ثلاثة أسابيع فقط؛ ومن ثَمَّ قام على تربيته جدُّه الأمير عبد الله بن محمد، فربَّاه –رحمه الله- ليقوم بما لم يستطع هو القيام به.

ربَّاه جده على سعة العلم وقوة القيادة، وحب الجـ.ـهاد، وحُسن الإدارة؛ ربَّاه على التقوى والورع، ربَّاه على الصبر والحلم وعلى العزة والكرامة، ربَّاه على العدل مع القريب والبعيد، ربَّاه على الانتصار للمظلوم، ربَّاه ليكون عبدَ الرحمن الناصر.

والثالثة أنَّ عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- حين تولَّى الحُكم كان على ثقةٍ شديدةٍ بالله، وفي الوقت ذاته على ثقةٍ شديدةٍ بنفسه، وأنه قادر على أن يُغَيِّر.

فهو يعي قول الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].

فلم يدخل قلبَه يومًا شـ.ـكٌّ أو يـ.ـأسٌ أو إحبـ.ـاطٌ من صـ.ـعوبة التغيير أو استحالته، أو أنَّه لا أمل في الإصلاح..

فقام وهو ابن اثنين وعشرين عامًا، وحمل على عاتقه مهمَّة ناءت بها السموات والأرض والجبال؛ مهمَّة هي من أثقل المهام في تاريخ الإسلام.

عبد الرحمن الناصر وتوحيد الأندلس

لم يلتقط عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- أنفاسه, وقام في سنة (308هـ= 921م) بالتحرُّك نحو نصارى الشمال بجيـ.ــش كثيف, وفي طريقه نحو الشمال خـ.ـاف صاحب طُلَيْطِلَة المستقل بها أن يغـ.ـزوه عبد الرحمن فخرج بجـ.ـيشه مع الناصر مُظهرا الطاعة.

واتجه الجيشان نحو غـ.ـزو الشمال, بعدها أصبح الطريق آمنًا نحو الشمال مباشرة؛ حيث سَرَقُسْطَة في الشمال الشرقي وطُلَيْطِلَة في وسط الشمال قد أصبحتا في يده.

وفي العام نفسه (308هـ= 921م) وعمره – آنذاك – ثلاثون سنة فقط, قام عبد الرحمن الناصر على رأس حملة ضخمة جدًّا باتجاه نصارى الشمال.

فكانت غـ.ـزوة موبش الكبرى بين عبد الرحمن الناصر من جهة, وجـ.ـيوش ليون ونافار مجتمعة من جهة أخرى, واستمرَّت هذه الغـ.ـزوة طيلة ثلاثة أشهر كاملة, حقق فيها عبد الرحمن الناصر انتصارات ضخمة وغنـ.ـائم عظيمة, وضمَّ إليه مدينة سالم وكانت تحت يد النصارى.

وبعد أربعة أعوام من غـ.ـزوة موبش وفي سنة (312هـ= 924م) قام عبد الرحمن الناصر-رحمه الله- بنفسه بحملة ضخمة أخرى على مملكة نافار, واستطاع في أيام معدوداتٍ أن يكتـ.ـسحها اكتسـ.ـاحًا, ويضم إلى أملاك المسلمين مدينة بنبلونة عاصمة نافار, ثم بدأ بعدها يُحَرِّر الأراضي التي كان قد استولى عليها النصارى في عهد ضعف الإمارة الأُموية.

وفي سنة (316هـ=928م) أرسل عبد الرحمن الناصر حملة أخرى إلى شرق الأندلس؛ لقـ.ـمع التـ.ـمرد الذي كان هناك, وضَمَّها بالفعل إلى أملاكه, ثم في العام نفسه أرسل حملة أخرى إلى غرب الأندلس فاستطاعت هـ.ـزيمة عبد الرحمن الجِلِّيقي؛ ومن ثَمَّ ضمَّ غرب الأندلس إلى أملاكه من جديد.

وبذلك وبعد ستة عشر عامًا من الكـ.ـفاح المضـ.ـني يكون –رحمه الله- قد وحَّد الأندلس كلها تحت راية واحدة؛ وحَّدها جميعًا ولم يتجاوز عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عامًا بعدُ.

شخصيته
استطاع عبد الرحمن أيضًا أن يجمع بين شخصية القائد العسكري المحنك والسياسي الداهية ورجل الدولة والإدارة اللبيب، وهي الصفات التي لم يسبق أن اجتمعت في حاكم للأندلس منذ عهد جده الأمير عبد الرحمن الداخل.

وقد وصفه ابن الأثير بأنه : «رجل أبيض أشهل حسن الوجه عظيم الجسم قصير الساقين.»، وأضاف ابن حزم أنه كان أشقرَ هو وكل بنيه.

ورغم شخصيته الجـ.ـادة الحـ.ـازمة، إلا أنه كان أديبًا يهوى نظم الشعر، ويقرب الشعراء والأدباء، شغوفًا باقتناء نفائس الكتب.

كما قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: «كان لا يمل من الغـ.ـزو، فيه سؤدد وحـ.ـزم وإقدام، وسجايا حميدة.

أصابهم قحط، فجاء رسول قاضيه منذر البلوطي يحركه للخروج، فلبس ثوبا خـ.ـشنًا، وبكى واستغفر، وتذ.لل لربه، وقال: ناصيتي بيدك، لا تعـ.ـذب الرعية بي، لن يفوتك مني شيء.

فبلغ القاضي، فتهلل وجهه، وقال: إذا خـ.ـشع جبار الأرض، يرحم جبار السماء، فاستسقوا ورحموا. وكان – رحمه الله – ينطوي على دين، وحسن خلق ومزاح.»

كان عبد الرحمن يُجل رجال الدين ويتقبل نقدهم، فقد وجّه له القاضي المنذر بن سعيد البلوطي نقدًا لاذ.عًا مبطّنًا تأ.ذى منه عبد الرحمن من على المنبر في خطبة الجمعة لإسـ.ـرافه في الإنفاق على بناء مدينة الزهراء.

فأسر عبد الرحمن لابنه قائلاً : «والله لقد تعمدني منذر بخطبته، وما عنى بها غيري، فأسـ.ـرف عليّ وأفرط في تقـ.ـريعي وتفـ.ـزيعي، ولم يحسن السياسة في وعظي، فزعـ.ـزع قلبي وكاد بعـ.ـصـ.ـاه يقـ.ـرعني».

ورغم ذلك لم يلجأ عبد الرحمن لعـ.ـقاب القاضي أو مسه بأي صورة من الصور، وإنما أقلع عن الصلاة خلف المنذر بعدئذ.

كما كان حـ.ـازمًا في مواجـ.ـهة الحركات الدينية التي تدعو للفتـ.ـنة كحركة ابن مسرة الجبلي.

انتقد البعض نهج عبد الرحمن في الحكم، ونظريته الخاصة في الاستئـ.ـثار بمقاليد الحكم كلها في يده.

وهو ما بدا جليًّا في محادثته مع يوحنا الجورزيني سفير الأمبراطور أوتو الأول إليه، عندما أبدى امتعاضه من نظام الحكم الإقطاعي الذي كان سائدًا في ألمانيا حينئذ، قائلاً :

«إن ملككم أمير حكيم ماهر، ولكن في سياسته شيئًا لا استسيغه، وهو أنه بدلاً من أن يقبض بيديه على جميع السلطات، ينزل عن بعضها لأتباعه، ويترك لهم بعض ولاياته، معتقدًا أنه يكسب بذلك، وهذا خـ.ـطأ فـ.ـادح، فإن مداراة العظماء لا يمكن إلا أن تزيد في كبريائهم، وتذكي رغبتهم في الثـ.ـورة.».

كما انتقده البعض لقـ.ـسوته في معاملة بعض عـ.ـبيده الذين استخدمهم في ناعورة قصره بدلاً من الأقداس الغارفة للماء.

وقد كانت شخصية عبد الرحمن مثار إعجاب العديد من المؤرخين الغربين، فقد وصفه المستشرق دوزي قائلاً:

«إن ذلك الرجل الحكيم النابه الذي استـ.ـأثر بمقاليد الحكم، وأسس وحدة الأمة ووحدة السلطة معًا، وشاد بواسطة معاهداته نوعًا من التوازن السياسي، والذي اتسع تسامحه الفياض لأن يدعو إلى نصحه رجالاً من غير المسلمين، لأجدر بأن يعتبر قرينًا لملوك العصر الحديث، لا خـ.ـليفة من خلفاء العصور الوسطى.»

وصيته وفلسفته في الحياة
وقد ترك وراءه بعد وفاته نبذةً كتبها بخطِّ يده قدَّر فيها قيمة الحياة البشريَّة تقديرًا غير مبالغٍ فيه:

«مضت خمسون سنةً منذ تولَّيتُ الخـ.ـلافة فتمتَّعتُ بما لا يزيد عليه شيءٌ من الثراء والمجد والنِّعَم، فاحترمني الملوك وخـ.ـافوني وحسـ.ـدوني، وحباني الله بأقصى ما يرغب فيه الإنسان، فأحصيتُ أيَّام السرور التي صَفَت لي دون تكـ.ـدير في هذه المدَّة الطويلة فكانت أربعة عشر يومًا، فاعجبْ أيُّها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها وبُخـ.ـلها بكمال الأحوال لأوليائها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى