أخبار المشاهير

لجأ لفتاواها الصحابة وعلّمت مئاتٍ منهم ونقَدت الأشعار.. السيدة عائشة أم المؤمنين المثقفة الموسوعية

لجأ لفتاواها الصحابة وعلّمت مئات منهم ونقَدت الأشعار.. السيدة عائشة أم المؤمنين المثقفة الموسوعية

أخبار اليوم-أخبار المشاهير

فريق المتابعة والتحرير

تديـ.ـن البشرية -بعد بعثة النبي الكريم محمد ﷺ- بالفضل العظيم لامرأتين ساهمتا في حفظ الرسالة النبوية على الوجه الذي تمّت به.

إذ كان لإحداهما فضل رعاية الرسول الكريم وتهيئة الأسباب المعينة له على تبليغ رسالته، وكان للأخرى شرف حفظ هذه الرسالة ونقلها إلى أجيال الأمة المتعاقبة، حتى قال عنها الإمام الذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘: “لا أعلم في أمة محمد ﷺ -بل ولا في النساء مُطْلقا- امرأةً أعلمَ منها”!!.

وبين هاتين الشخصيتين العظيمتين دارت رحى الإسلام وسارت ركابه في شتى مناكب الأرض؛ فقد كانت خديجة بنت خُوَيْلد -رضي الله عنها- السند الذي يأوي إليه النبي ﷺ فظلت تثبّته وتنصره.

ولم ينسَ لها ذلك العطاء على مدى السنين فكان لا يفتأ يعدّ فضائلها عليه، ويقول: “آمنتْ بي إذ كَـ.ـفَر بي الناس، وصدقتني إذ كـ.ـذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حَـ.ـرَمني الناس”.

أما عائشة (ت 58هـ/679م) -رضي الله عنها- فكانت العين الراصدة ليوميات صاحب الدعوة ﷺ والتلميذة النجيبة الأولى في مدرسة النبوة.

نشأة فريدة
لما استقر المقام بالنبي عليه السلام في المدينة؛ وجد شخصية عبقرية بالقرب منه ذات خصائص نوعيّة تمكنها من حفظ ميراث النبوة، ومستعدة كل الاستعداد لتلقي العلم ونقل مروياته من بعد وفاته ﷺ.

ولم تكن هذه الشخصية سوى الفتاة النابغة في بيت صاحبه ورفيقه في الهجرة أبي بكر الصدّيق؛ إنها ابنته عائشة التي كان الإمام التابعي الشَّعبي عندما يذكرها يتعجب من دقة فقهها وسعة علمها، ثم يقول: “ما ظنكم بأدب النبوة”؟!

نشأت عائشة -رضي الله عنها- في بيت خُلْوٍ من الجاهلية، تعمّه المودة والرحمة والحماسة للدين الجديد؛ فقد تزوج أبوها أبو بكر التيْمي القرشي أمَّها أم رُومَان الكِنانيّة التي جاءت إلى مكة من ديار قومها في السَّراة (= منطقة جنوب مكة) مع زوجها عبد الله بن الحارث، الذي حالف أبا بكر ثم لم يلبث أن توفيَ عنها.

فبادر حليفه رجل قريشٍ النبيل إلى الزواج من هذه السيدة الغريبة التي لم يعد في مكة لها نصير، وعاملها بمقتضى المروءة والعطف فأسلمت وحسن إسلامها، وكانت عائشة ثمرة هذه الأسرة الطيبة.

مؤهلات فطرية
امتلكت عائشة استعدادين اثنين جعلاها وعاءً للعلم النبوي، أما الأول فاستعداد فطريّ لسرعة الحفظ وحسن الفهم وجودة التعبير عن نفسها؛ فليس من المبالغة وصفها بأنها كانت تملك ذاكرة صمغيّة يلصق بها كل شيء.

ولذا كانت تحفظ الحديث لأول مرة كما حصل في حكايتها لموقعة الجمل سنة 36هـ/657م، وروايتها للأشعار التي كان يرتجز بها بنو ضبّة الذين كانوا يحمون هودجها والمـ.ـوت يطوف بها!.

استثمار للمواهب
كانت عائشة تعرف أنها لن تغلب على قلب النبي ﷺ وتنافس خديجة بالشعور العاطفيّ الصِّرف، لمعرفتها أن تعلقه عليه السلام بخديجة تعلقُ محبةٍ وإعجاب.

ومن ثمَّ صارت تسعى لتحصيل المناقب المستوجبة للإعجاب، فأقبلت على التعلّم والتزوّد من نبع النبوّة، حتى تشعر زوجها عليه السلام بأنه مع تقدّم خديجة عليها في توفير العون والرعاية للنبي ﷺ في تأدية الرسالة، فإنها قادرة على لحاقها بحفظ رسالته من بعده وإيصال تعاليمها إلى الناس.

عفوية لافتة
ومن المعاني التي نجدها في سيرة هذه المثقفة الموسوعية والعالمة الجليلة بُعدُها عن التصنع في السَّمت الذي ظهر لاحقا في الأوساط العلمية الإسلامية، من تكلّفٍ لاصطناع شخصية رصينة للعالِم أو العالمة تخالف ما طُبع عليه من طبائع بشريّة.

مَلَكات علمية
كانت عائشة واعية بكونها مخزن الهدْي النبوي، ومدركة للحاجة الماسّة إليها لكونها إمامة عالمات النساء، ولأن كثيرًا من مسائل الفقه النسائية تخفى على أصحاب الفتوى من علماء رجال الصحابة.

ولذلك نجدها تبادر لنقد عبد الله بن عمرو بن العاص في فتواه التي تبعد عن التخصص، وتغيب عنه فيها تفاصيل تتعلق بالمشقة التي ستعـ.ـاني منها النساء إن أخذن بها؛ فتصدت عائشة لتخـ.ـطئته ونقض فتواه مشيرة إلى المشقة المترتبة عليها.

فقد روى مسلم –في صحيحه- عن عائشة أنه بلغها أن “عبد الله بن عمْرو (بن العاص 65هـ/685م) يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا! وهو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن؛ أفلا أمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد، فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات”.

فضائلها
1- أحب أزواج النبي ﷺ: وقد صرح بمحبتها لما سئل ﷺ عن أحب الناس إليه، قال: «عائشة» قلت: فمن الرجال؟ قال: «أبوها».

وقد قال: «لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام أفضل»، فأحب أفضل رجل في أمته، وأفضل امرأة في أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله ﷺ فهو حري أن يكون بغـ.ـيضاً إلى الله ورسوله، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً.

2- نزول الوحي على النبي ﷺ وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام.

3-مجيء الملك بصورتها إلى النبي ﷺ ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من الله يمضه».

4-أن جبريل عليه السلام أرسل إليها سلامه مع النبي ﷺ: فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ يوماً: «يا عائشة! هذا جبريل يقرئك السلام» فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى. تريد رسول الله ﷺ.

5-كان رسول الله ﷺ يحرص على أن يمـ.ـرض في بيتها: فقد كانت وفـ.ـاته ﷺ بين سحـ.ـرها ونحرها في يومها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة من الآخرة، ودفـ.ـن في بيتها، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: «أين أنا غداً؟» حرصاً على بيت عائشة، قالت: فلما كان يومي سكن.

6-إخباره ﷺ بأنها من أصحاب الجنة:  قالت عائشة: قلت: يا رسول الله مَنْ مِنْ أزواجك في الجنة؟ قال: «أما إنك منهن».

7- فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام: سمع أنس بن مالك رضي الله عنه رسول الله ﷺ يقول: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».

لقد شهدت حياة أمنا عائشة -رضي الله عنها- نشاطا حافلا بالعلم والعمل وخدمة الأمة، وخلّفت لأبنائها المسلمين تركة غنية من مناهج النظر في مصادر التشريع وصياغة الفتوى والتعامل مع النصوص، ومارست قبل 1400 عام ما بات دعاة التجديد اليوم يدعون إليه نظريا من “نقد المتون”، والخروج مما يسمُّونه “الوصاية الذكورية” في قراءة النصوص التشريعية، وتغليب النظرة المقاصدية في صناعة الفتوى؛ ولكن انصرافهم عن النظر في تراثهم المراد تجديده حجبهم عن معرفة فضائله!!

المصدر : الجزيرة ووكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى