عالميِّينَ خارقينَ خفيِّينَ.. قـ.ـراصنة غزة الالكترونيين الذين يرعـ.ـبون إسرائيل ويسحبون ملفاتها الأمـ.ـنيّة.. تفاصيل قصصهم

عالميِّينَ خارقينَ خفيِّينَ.. قـ.ـراصنة غزة الالكترونيين الذين يرعـ.ـبون إسرائيل ويسحـ.ـبون ملفاتها الأمـ.ـنيّة.. تفاصيل قصصهم
أخبار اليوم
فريق المتابعة والتحرير
في مساء الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2012، اخـ.ـتُرقت جميع أجهزة الكمبيوتر التابعة لمراكز الشرطة في دولة الاحـ.ـتلال الإسرائيلي.
وعلى عكس ما هو متوقع بالنظر إلى التطور التقني في إسرائيل، استغرق الأمر أسبوعا كاملا لاكتشاف الاخـ.ـتراق، في أثناء ذلك كانت البرمجية المُخـ.ـترِقة قد وجدت طريقها إلى إدارات حكومية إسرائيلية أخرى.
والنتيجة هي تعـ.ـطل الخوادم عن العمل، وانقطاع الوصول إلى الإنترنت، وبعد ذلك حُظر استخدام أجهزة “USB”، ما أدى إلى تعـ.تطيل الخدمات لأسبوع آخر إضافي.
تكرر الحدث نفسه في فبراير/شباط 2014، أي بعد عامين، في هذه الهـ.ـجمة اخـ.ـترق المتسللون الإدارة المدنية في يهودا والسامرة، وهي الجهة الحكومية التي تتعامل مع جميع الأمور الإدارية في “المنطقة A” في الضفة الغربية.
في وقت لاحق، وفقا لشركة أمن الشبكات “فايرفلاي (FireEye)”، أُعلن أن هذه الهـ.ـجمات لها علاقة بفريق غزة للقراصنة “Gaza Hacker”.
إذا لم تكن قد سمعت من قبل بهذه المجموعة من المخـ.ـترقين، فلك كل العذر في ذلك.
الحقيقة أن هذا الفريق لم يُكتب عنه شيء تقريبا، لأنّ وتيرة الهـ.ـجمات وقوتها كانت منخفضة نسبيا في السنوات القليلة الأولى منذ إنشاء الفريق في عام 2007.
وقد صدر أول تقرير موثق عن الهـ.ـجمات الناجحة للفريق في فبراير/شباط 2008 عن حزب كاديما الإسرائيلي، الذي قاده بعد ذلك رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت. لكن بعد أربع سنوات من تلك النقطة، تمكن الفريق لوهلة من احـ.ـتلال العناوين الإخبارية الرئيسية في دولة الاحـ.ـتلال.
ربما يفترض المتابع الجيد للأوضاع في قطـ.ـاع غـ.ـزة أنّ هذا المكان بالتحديد ليس أفضل نقطة يمكن أن تنطلق منها مقـ.ـاومة إلكترونية نظرا لانقطاع الكهرباء والإنترنت بشكل مستمر.
على عكس الضفة الغربية مثلا حيث الوصول للإنترنت أفضل والكهرباء أكثر استقرارا، لكن الضفة الغربية تحمل خطـ.ـرا متمثلا في الاعتـ.ـقالات اليومية والغـ.ـارات الليلية على القرى والبلدات الفلسـ.ـطينية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار المراقبة المستمرة للهواتف وأجهزة الكمبيوتر الفلسطينية في الضفة الغربية.
في الشهادات والمقابلات التي أُجريت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، جرى توثيق قيام دولة الاحـ.ـتلال بجمع البيانات حول أدق تفاصيل حياة الفلسـ.ـطينيين، بما يشمل الميول الجـ.ـنسية، والخيـ.ـانات الزوجية، والمشكلات المالية، والأوضاع الطبية الأسرية، والقضـ.ـايا الخاصة الأخرى التي يمكن أن تستخدم لإكراه الفلسـ.ـطينيين على أن يصبحوا متعاونين أو في خلق انقسامات داخل المجتمع.
في مقابل ذلك، تتمتع غـ.ـزة بأمـ.ـن أكبر نسبيا لنشطاء الإنترنت، حيث تغيب المداهـ.ـمات وتقل الرقابة، لذا فإنها صارت البقعة الأكثر ملاءمة لنشاط المقـ.ـاومين الإلكترونيين.
“هـ.ـدفنا جـ.ـهادي فقط ضـ.ـد الاحتـ.ــلال، ولا نقوم بهـ.ـجمات خارجية إلا نادرا، كما أننا لا نتبع أحدا، نُمثِّل أنفسنا فقط، كفريق قراصنة غزة”، هكذا يقول”بلاك روز”، الهاكر الأخلاقي، وأحد أعضاء فريق قراصـ.ـنة غزة، قبل أن يضيف مؤكدا: “لا نتبع أي حز ب سياسي داخلي أو خارجي”.
ومع كون المجموعة لا تنتمي لأي حز ب سياسي، فإن ذلك منحها نقطة قوة إضافية حسب قول أحد أعضاء حركة فتح في حديثه مع “إيرك سكير”، الناشط والباحث الداعم لفلسـ.ـطين، ومؤلف كتاب الجـ.ـ.هاد الرقمي.
يقول: “لم يكن فريق قراصـ.ـنة غزة ينتسب إلى أيّ حركة سياسية يمكن أن تصنفه وتنـ.ـفر الفلسـ.ـطينيين منه برأي سياسي مخـ.ـالف”، أي إنهم وحدوا صفوف الفلسـ.ـطينيين بانتمائهم الوحيد لفلسطين ولا شيء غير فلسـ.ـطين.
في الحادي عشر من يوليو/تموز لعام 2012، أي قبل هـ.ـجمات مراكز الشرطة -التي سبق الإشارة إليها- بثلاثة أشهر، شـ.ـنّ فريق قراصـ.ـنة غزة هـ.ـجوما إلكترونيا على موقع الكنيست الإسرائيلي، ونشرت المجموعة على صفحة الموقع بيانا أكدت فيه أن بحوزتها أسـ.ـرارا كثيرة عن زعماء إسرائيليين.
كما عرضت المجموعة قائمة بها عدة مطالب، من بينها وقف أعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى المبارك، ووقف البناء الاستـ.ــيطاني في الضفة الغربية، ووقف العـ.ـدوان على غزة، والإفراج عن السـ.ـجناء الفلسـ.ـطينيين كافة.
ورغم نجاح الاحتـ.ـلال في اكتشاف الهـ.ـجوم وإيقافه بعد دقائق، فإنه وجّه إنـ.ـذارا حول نية الشباب الفلسـ.ـطيني جرّ المعـ.ـركة مع الاحتلال إلى ساحات الإنترنت.
بعد ذلك بأسابيع، نجحت المقـ.ـاومة الإلكترونية في تحقيق الاخـ.ـتراق الأبرز في معـ.ـركتها مع الاحتلال، حين اخـ.ـترقت أجهزة الحاسوب التابعة لمراكز الشـ.ـرطة وإدارات حكومية إسرائيلية أخرى، وعطلت الخدمات في هذه المؤسسات لمدة تصل إلى أسبوعين.
بالنظر إلى الفارق الشاسع في الإمكانيات التقنية والمادية لصالح دولة الاحـ.ـتلال، كان هذا اخـ.ـتراقا هائلا بكل المقاييس.
في يونيو/حزيران 2017، صبيحة أحد الأيام الصيفية ذات الطقس المعتدل، بدا فجأة أن الزمان ارتد بكل شي في البلاد عقدا كاملا إلى الوراء.
بشكل مفاجئ ودون مقدمات، سقـ.ـطت جميع الأنظمة المميكنة والمحوسبة تقريبا وتوقفت عن العمل، بما يشمل أجهزة الصراف الآلي والقطارات والحواسيب في المطارات ومحطات التلفزيون، حتى أجهزة مراقبة الإشعاع في محطة تشـ.ـيرنوبيل النـ.ـووية القديمة أصابها العطب.
سرعان ما اكتشف الجميع أن ما حدث كانت نتيجة هـ.ـجوم إلكتروني روسي ضخم.
وبحلول الوقت الذي تعرف العالم فيه على الجـ.ـاني، وهو نوع متوحــ.ش من برامج الكمبيوتر الخـ.ـبيثة (أو الدودة) يعرف باسم “NotPetya”، كان الهـ.ـجوم قد تسبب في أضـ.ـرار تعدت قيمتها نحو 10 مليارات دولار في أوكرانيا وعدد من دول أوروبا، ما جعله أكثر الهـ.ـ.جمات الإلكترونية تكلفة حتى الآن(9).
لا يموت أحد في هـ.ـجمات كهذه عادة، ولكن العالم أُعطي تلميحا عن واقع جديد يتجاوز التجـ.ـسس السيبراني أو التخـ.ـريب، لقد كانت هذه حـ.ـربا إلكترونية بكل ما تحمله الكلمة من معان.
In a first, Israel responds to Hamas hackers with an air-strike
Israel military said it bombed building housing Hamas cyber operatives.https://t.co/ogbZgcCZHN pic.twitter.com/i3llzrRfd1
— Catalin Cimpanu (@campuscodi) May 5, 2019
(فيديو قـ.ـصف مركز تجمع هاكرز في غـ.ـزة)
من المحتمل أن تكون ستوكسنت قد منعت فعليا حـ.ـربا حقيقية، وأضعفت حاجة إسرائيل المتصورة إلى توجـ.ـيه ضـ.ـربة عسكرية ضـ.ـد إيران، حدث هذا من قبل، فبعد عقد من الزمان ألغت إدارة ترامب الأميركية السابقة هـ.ـجوما مخططا ضـ.ـد إيران، واستبدلته لصالح هـ.ـجوم إلكتروني أقل تكلفة.
عادة ما تكون الحـ.ـروب من هذا النوع “إلكترونية-إلكترونية”، هـ.ـجمة على أجهزتي مقابل هـ.ـجمة على أجهزتك، لم يشهد العالم كله هـ.ـجوما عسكريا مباشرا ردا على هـ.ـجوم إلكتروني، حتى قصـ.ـفت إسرائيل مبنى مرتبطا بقراصـ.ـنة في غـ.ـزة في عام 2019.
هل اخـ.ـتُرق حسابك على فيسبوك من قبل؟ إذا كانت الاجابة بـ”لا” فهذا جيد، التـ.ـوتر النفسي الناجم عن اخـ.ـتراق شيء ببساطةِ حساب فيسبوك الخاص بك كبير جدا، ناهيك بالأضـ.ـرار الأخرى. تخيل الآن مستوى القـ.ـلق عندما يكون الاختـ.ـراق على مستوى الدول، أجل إنها حـ.ـرب نفسية.
أحد الأمثلة على ذلك هو هـ.ـجمات الخروج من الخدمة (DDoS) على شركة طيران العال الإسرائيلية وبورصة تل أبيب قبل حوالي عقـ.ـد من الزمان، هذه المرة لم تُجرَ من قبل ناشطين فلسطينيين، ولكن من قِبل الهـ.ـاكر “أوكـ.ـس أومار (Ox0mar)” الذي كان يعمل من السعودية.
لم تكن المشـ.ـكلة الرئيسة في هذه الهـ.ـجمات تتعلق -قط- بحجم الأضـ.ـرار المباشرة التي تُحدثها ومداها، بقدر ما تتعلق بالضـ.ـرر الواقع على سمعة دولة الاحتـ.ـلال بوصفها قـ.ـوة تقنية متفوقة. فعلى مدار العقدين الماضيين، بَنَت إسرائيل سمعتها بوصفها قـ.ـوة تقنية رائدة في مجال مكـ.ـافحة الفيـ.ـروسات، وأكبر منتج للجدار النـ.ـاري، تماما كما روّجت لجدارها الصلب من الأمـ.ـن المادي تحت مظلة القبة الحديدية التي قُدِّمت للعالم كد.رع عسكري لا يُقـ.ـهر.
نتيجة لذلك، فإن هذه الضـ.ـربات الاختراقية تثيـ.ـر ذعـ.ـرا حقيقيا في إسرائيل. في أعقاب هـ.ـجمات “أوكـ.ـس أومار” مطلع عام 2012، سُمع دوي الاختـ.ـراقات في الصحف الإسرائيلية، وفي مقدمتها موقع “يديعوت أحرونوت” الذي بدأ أحد مقالاته بالتشـ.ـكيك في الروايات الحكومية، تحت عنوان: “أي أمـ.ـان رقمي؟”.
في السياق ذاته، أشار مارك غولدبرغ، المدون بصحيفة القدس الإسرائيلية، أن الهـ.ـجمات “أظهرت مدى ضعفنا أمام الأفراد الذين يعملون على بُعد آلاف الأميال”(15)، أما مدير مدونة “Israel Matzav” الشهيرة فقد أنهـ.ـى أحد منشوراته بالسؤال البلاغي: “أليس من المفترض أن يكون لدينا أفضل أمـ.ـان سيبراني في العالم؟.
لكن النجاح في هذه الحـ.ـرب النفسية لم يمــ.ـنع “إيرك سكير” من وصف فريق قـ.ـراصنة غزة بالـ”Script kiddies”، وهو مصطلح ازدر.ائي يستخدم لوصف الأشخاص غير الماهرين في القـ.ـرصنة ممن يعتمدون على الأدوات التي طورها الآخرون لشن هـ.ـجماتهم. ورغم ذلك، فإنه استدرك هذا الوصف مؤكدا أن “هذا لا يعني أنهم لا يشـ.ـكلون تهديدا للبنية التحتية السيبرانية الإسرائيلية”.
يعـ.ـترض “بلاك روز”، الهـ.ـاكر الأخلاقي وأحد أعضاء فريق قـ.ـراصنة غزة، على وصف “سكير”، معلقا لميدان: “ذلك [السكربت كيد] هـ.ـاكر يخـ.ـترق ولا يفهم ما الذي يفعله بالتحديد، يقلدون الشروحات المنشورة في الإنترنت، لكننا فريق يضم بعض أقوى الهـ.ـاكرز في العالم، وأسماؤهم مذكورة في مواقع عالمية”.
يؤكد “بلاك روز” لميدان أنّ “هناك هـ.ـجمات تكون سـ.ـرية وقد لا تنشر في الصحف أو يُعلَن عنها”، الأمر الذي قد يؤدي إلى سـ.ـوء تقدير لقدرتهم على شـ.ـن الهـ.ـجمات واعتبارهم هواة، ويتابع: “لكننا كفريق، نملك كوادر قـ.ـوية في جميع أنحاء العالم، ولدينا شراكات مع فرق كبرى، ونعتبر أنفسنا في المجال مثل أنونــ.ـيموس وغيرها”.
إذن، أين كان فريق غزة خلال الهـ.ـجمات الأخيرة الشهر الماضي؟ يجيب “بلاك روز” قائلا: “نظرا إلى أن أغلب الفريق يقيم في غزة والعديد منا دُ.مرت أجهزتهم مع مساكنهم
فقد قمنا بأنشطتنا بالتعاون مع فرق أخرى، على رأسها فريق ماليزي قام باختـ.ـراق ما يتجاوز 170 موقعا لمنظمات صهـ.ـيونية”.
بحتوي التسـ.ـريب الذي نشره فريق “DragonForce Malaysia” على قواعد بيانات عشرات الشركات والمنظمات والمؤسسات الصهـ.ـيونية الأخرى، وهو منشور بالفعل في ملف على الإنترنت.
حسنا، على ما يبدو أن المقـ.ـاومة الرقمية، وكذا الحـ.ـروب السيبرانية، ستكون أحد المشاهد البارزة في السنوات المقبلة، ربما نسمع عن هذا النوع من النشاط اليوم بين حين وآخر، لكنه بات مرشحا لاكتساب المزيد من الحضور، بوصفه إحدى أدوات المقـ.ـاومة الأكثر نجاعة، والأقل تكلفة.
المصدر: الجزيرة